في تغييب النّساء من لُغة الخِطاب | On Absenting Women from Public Discourse

من تصميم: مادّة ١٩ | Designed by: Mada19

من تصميم: مادّة ١٩ | Designed by: Mada19

On the sidelines of the Internet Freedom Festival in early 2019, Localization Lab organized a session on 'Exploring Approaches to Gender Inclusive Language in Arabic.' The session brought together a diverse group of Arabic speakers including feminists, writers, and translators to discuss: the importance of addressing women in public discourse in Arabic, previous and experimental linguistic approaches to achieving better representation, and increasing public awareness of the issue. Layla Taha of Mada19 followed up with several participants after the Internet Freedom Festival and synthesized insights from the session discussion and one-on-one interviews.

بقلم: ليلى طه

"لم لا تجرّبوا"، "كل ما تحتاجونه للاتصال بالإنترنت المفتوح"، أو "افتحوا التطبيق واضغطوا ..." هذه عبارات أردّدُها كثيرًا في إطار حياتي العمليّة، أُخاطب فيها "متابعين" مادّة ١٩ و"المهتمّين" بأدوات الخصوصيّة الرّقميّة وتجاوز الحجب. هل هذا يعني أنّني، وأنا امرأة ونسويّة ولُغتها الأم هي العربيّة، لا أخاطب متابعات مادّة ١٩ والمهتمّات بالأدوات التي تُقدّمها؟ طرحتُ هذا السّؤال على رولا أسد، المديريّة التّنفيديّة لشبكة الصّحفيّات السّوريّات، فأجابت عن السؤال بآخر: "أليس جمع مذكّر سالم؟"

في محادثة طويلة (ولا أُخفي مُمتعة) مع رولا، قالت بأنّ الاستخدام المتكرّر لصيغة المذكّر في الخطاب العام بالعربيّة فيه إقصاء للمرأة. "عندما يكون هناك افتراضات بأنّ اللّغة العربيّة المُتداولة والمُستخدمة هي متضمّنة للنساء رغم كونها غير متضمّنة للنّساء، ليس بشكل مباشر... يبقى التّخيُّل هو مجموعة رجال وليس مجموعة نساء، أو مجموعة من النّاس متنوّعي الهويّات."

تؤمن رولا بأنّ اللّغة أداة ووسيلة تؤثّر على الرّأي العام وتُشكّل الخطاب تجاه فئة أو قضيّة ما، وتعكس نفسها أخيرًا في حياة النّاس اليوميّة وفي سلوكيّاتهم وردود أفعالهم.

عندما سألتُها عن كيفيّة تأثير استخدام جمع المُذكّر السّالم على استقبالها لنصّ ما، أجابت: "لا أشعُر بأنّي معنيّة في الموضوع المطروح، فلا أنخرط في المسألة. وهذه ليست مُبالغة، فهذا يؤثّر في مدى الفعاليّة أو المسؤوليّة التي تتكون لديّ اجتماعيًّا. لذا لديّ موقف من الإنتاج المعرفي الذي لا يُضمِّنُني في أدواته."

هي فعلاً ليست مبالغة. في كتابتها "النّساء اللاّمرئيّات"، تقدّم كارولين كريادو-بيريز العديد من الدّلائل على أنّ البيانات التي نستخدمها في رسم السّياسات الاقتصاديّة والصّحيّة والحياتيّة بشكل عام لا تأخُذ النّساء بعين الاعتبار، ممّا يتسبّب في دفعهن لأثمان باهظة من وقتهن ومالهن وحتّى أحيانًا بحياتهن.

تفسّر كارولين في كتابها مثلاً بأنّ النّوبات أو الجلطات القلبيّة لا تُشخّص بشكل صحيح لدى النّساء في كثير من الأحيان (٥٠٪ في بريطانيا بحسب صحيفة الجارديان) لأنّ أعراض الجلطة لديهن تختلف عنها لدى الرّجال الذين تكون غالب البحوث الطبيّة مبنيّة على جنسهم. فمثلاً، لدى الرّجال، يكون الألم في الصّدر هو أحد أهم أعراض النّوبة القلبيّة وأكثرها انتشارًا، بينما لا تُبديه سوى واحدة من بين ٨ نساء يُعانين من نوبة قلبيّة. لدى النّساء، تظهر أعراض الجلطة على شكل إرهاق أو شعور بسوء الهضم. وتجادل كارولين بأنّ هذه الظّاهرة مُنتشرة أيضًا في قطاع التّكنولوجيا من بنية الأجهزة (مثلاً حجم الهواتف المحمولة) إلى الخوارزميّات. مثلاً، برنامج جوجل للتعرّف على الكلام أكثر قدرة على فهم الرّجال بنسبة ٧٠٪. كما أنّ تطبيقات "مُتابعة اللّياقة البدنيّة" التي تُسجِّل مثلاً عدد الخطوات التي تمشيها يوميًّا، تبخس في تقدير عدد الخطوات عند القيام بالأعمال المنزليّة بنسبة خطأ تصل إلى ٧٤٪، رغم كون العمل المنزلي يستهلك الكثير من المجهود البدني.

بحسب كارولين، ذلك هو "سبب ونتيجة في آن واحد لنوع من اللاّ-تفكير الذي يتصوّر الإنسانيّة بالمذكّر حصرًا."

وإن عُدنا لتصوّرنا لإنسانيّتنا كما نسرُدها، ونوصّفها، ونُعبّر عنها بخطابنا العام بالعربيّة، وب"لا تفكيرنا" في النّساء في كل ما نكتب تقريبًا، فبتقدير رولا: "اللّغة العربيّة في شكلها الحالي المتداول غير مُنصفة، ليس فقط للنساء ولكن يمكن أن نوسّع ونقول للهويّات الجندريّة الأخرى. إذا رح نمشي خطوة خطوة فالخطاب لا يخاطب على الأقل ما هو مقبول للمجتمع … وهناك إشارات اللّغة أيضًا، أو ما لا يُقال. يجب أن تكون استخدامات اللّغة مُتضمّنة وعادلة، وأن يكون فيها احترام لخيارات الناس، وتكون خالية من إطلاق الأحكام أو خلق تنميط مُعيّن لفئات في المجتمع. هذا الخطاب الذي نحاول أن نصل إليه -ونحن في مرحلة تحليله ووضع يدنا على الوجع، ومن ثمّ إيجاد حلول محليّة."

نحو إيجاد حلول محليّة

على هامش مهرجان "انترنت فريدوم" في بداية ٢٠١٩، قامت أرين مكونل من منظّمة "لوكالايزاشن لاب" (مختبر التّوطين) بتنظيم جلسة للبحث في "الحياديّة تجاه الجندر واللّغة العربيّة". جمعت الجلسة عددًا من المهتمّين ب"وضع اليد على الوجع" بكلمات رولا، من بينهم أحمد غربية، المدير الفنّي في "مؤسّسة التّعبير الرّقمي العربي" المعروفة بِ"أضف". عندما سألتُ أحمد عن سبب مشاركته في الجلسة، أجاب: "لأنّي مُهتم بالمسألة وموضوع النّقاش، وبالظّواهر اللّغويّة العربيّة المعاصرة عمومًا. لهذه المسألة أبعاد عديدة: لغويّة، نحويّة-صرفيّة وكذلك أسلوبيّة-خطابيّة. والمُهم عمومًا في نظري من النّاحية المهنيّة هو إيجاد بيئة مواتية للتّشارك بين النّساء والرّجال في مجالات الاهتمامات والعمل العام المختلفة، والسّعي لإبراز تصوّرات النساء عن العالم بأكثر مما هو."

الكاتبة فرح برقاوي، وهي إحدى مؤسّسات مشروع "ويكي الجندر"، منصّة تشاركية تنتج معرفة نسوية مفتوحة في قضايا الجندر والنّساء باللّغة العربية، أدارت الحوار في الجلسة، التي ابتُدأ النّقاش فيها في ملتقى "خبز ونت" في بيروت العام الماضي والذي تنظّمه "سمكس".

في الجلسة قامت فرح بعرض تاريخ من المحاولات (المحليّة بامتياز) للتّعامل مع هذه المُعضلة.

هنا نستعرضها:

الشّرطة المائلة

لعلّ إضافة صيغة المؤنّث بعد علامة "/" (مثل المستخدم/ة) هي من أولى المحاولات التي جرّبتها بعض المؤسّسات الإعلاميّة العربيّة للتطرّق إلى حل لمعالجة هذه المشكلة. إلّا أنّ فرح تنصح بتفادي هذا الأسلوب قدر المستطاع لأنّ الشّرطة "تكسر تدفّق النّص بصريًّا ولغويًّا وغيره".

جمع المذكّر السّالم

عادةً ما يصاحب هذا الأسلوب محاولة للابتعاد عن تصريف الأفعال، فنقول "يرجى زيارة الموقع" بدلاً من "زوروا الموقع" حين أمكن.

في تعليقها على هذا الأسلوب تقول فرح: "نحن مُتصالحين مع الجمع لأنّه يكلّم مجموعة لكنّه أيضًا جمع تذكير. إذا كانت هناك مجموعة من ٩ نساء وفجأة جاء ذكر واحد لا يصلح التأنيث. حتى في الموروث الثّقافي يكون لهذا الذكر مكانة مرتفعة. هو ليس صارخ التمييز لكن هذا لا يعني بأنّه غير مُميِّز. إذا كانت هذه الحالة، لِنستخدم الجمعين."

 كما سلف الذّكر، أنا من مستخدمي جمع المذكّر السّالم في ما أكتُبه لمادّة ١٩، لأنّي أرى بأنّ هذا الأسلوب يُخاطِب النّساء والرّجال (وأعترف أنّي كتبت الرّجال والنّساء بديهيًّا ومن ثمّ صحّحت نفسي!)، وهو لا يلفِت الأنظار كثيرًا إلى مشكلة التّذكير والتّأنيث، كما الشّرطات، كما أنّنا نستخدمه في العاميّة عندما نكون مجموعة من النّساء فنقول "قوموا نمشي؟ تشربوا شي؟".

ويضيف أحمد على هذا أنّه بالعاميّة "العرب يستعملون صيغ المذكر والمؤنّث بغير التفات إلى دلالة الجنس الفعليّة، ويستخدمون محدِّدات أخرى عند الرّغبة الفعليّة في تعيين الجنس، وهي محدِّدات تُعدّ زائدة أو أخطاء إذا ما طبّقنا قواعد الصّرف والنّحو بحذافيرها، مثل "شفت اليوم اثنين مهندسات ستات"، وهذا موجود بأشكال متنوعة في العالم العربي. فمثلاً نجد أغلب المصريين قد وحّدوا على جمع المذكّر في أسماء الإشارة وكثير من الجموع، ولهجات شاميّة قد وحّدت على الجّمع المؤنّث في ضمائر الإشارة حتى عندما يكون المشار إليهم رجالا، وفي لهجات مغاربيّة نجد خليطًا في استعمال الأفعال في بعض الأزمنة. المقصود أن الحل ربمّا كان في تجاهل دلالة المذكّر والمؤنث، وعدم عدّ أيّها تخصيصًا لجنس... الأهم في رأيي هو الخطاب، الأفكار والمفاهيم، كيفيّة عرضها وتناولها وتحليلها."

الجمع بين الجنسين

كما يرد في القرآن "المُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ". (أمّا "ويكي الجندر" فهي تفضّل في سياسة تحريرها تقديم المؤنّث عن المُذكّر مثل المستخدمات والمستخدمين، أو الاقتصار على التّأنيث.

التنويع في النّص الواحد

ذكرت فرح بأنّ مُشكلة الخطاب هذه تأتي بالأصل من التّخيُّل بأننّا نخاطب "شخص" ما وهي كلمة مذكّرة. "الشّخص" كلمة تدّعي الحياديّة، وهي تدل على شخص مجهول (الجنس والجندر وغيره)، فيُمكن جمعها (الأشخاص والشّخوص) ولكن لا يجوز تأنيثها. من هنا جاءت فكرة التّنويع (الذي يبدأ في المُخيّلة)، والتّبديل بين الجنسين في النّص الواحد، وفي صيغ الجمع في المُخاطبة (مثال: الصّحفيات والباحثون والطّالبات والمهتمون).

جمع لواحق تمييز الجنس

تقول فرح، أنّ أعضاء ويكي الجندر فكّروا في تبادلات تجريبيّة ويوميّة أكثر من كونها تبادلات عصف ذهني، في كيفيّة التخلّص من الشّرطة المائلة بين لهم/ن أو لكم/ن، فوجدوا أنّه "طالما النّون حرف متّصل، يمكن أن يتّصل بالحرف الذي يسبقه، لما لا نربطهم ببعض ونجرّب وندمج الكلمتين؟ سنحصل على "لهمن"، و"لكمن". هل الكلمة لا تُقرأ بلى تُقرأ وبسهولة..."
"حلوة سماعيًّا،" أُقاطعها.
 تُتابع: "عندما تقرأها النّساء سيشعرن بنون النسوة، وكذلك الرّجال، هناك الميم وهي قوية وتظهر بوضوح أثناء النطق أو القراءة، فلا يشعرون أنّهم مُستثنون"

وفي حال الجمع، هناك دائمًا التّاء في جمع المؤنّث السالم (مثل الكاتبات والقارئات)، والنّون التي تأتي بعد الياء أو الواو في جمع المذكّر السّالم (الكاتبون والقارئين)، دمجوها أيضًا، وحصلوا على "المشاركوت والمشاركيت".
"وهكذا ينفع استخدامها وصرفها فتكون مقبولة نحويّاً،" تُضيف فرح.

يقول أحمد بأنّه أكتشف "وجود تجارب مُشابهة في المغرب العربي من قبيل الكاتبينات والمحرّرينات المهتمينات، [ولكّنه] لا يعرف مصدرها ولا من بدأها."

من ناحيتها ترى رولا بأنّ هذه الطّريقة خلاّقة فعلاً، وأنّها أضافت إلى اللُّغة من ذاتها. وهنا نقتبس من ردِّها على نقاشات مع مؤسّسات إعلاميّة سوريّة من باب أنّ تذكير وتأنيث المفردات والأفعال والأسماء سيجعل النّص طويلاً وبحاجة إلى تفكيك فترد: "إذا كان هناك كل هذا الصبر لكل هذا الوقت على كل هذا التنميط والإقصاء وللعلاك يلي بيجي أصلاً في كل الخطابات وكل الإنتاج المعرفي على مدار سنوات طويلة، لِم لا نصبر على هذه النّصوص التي هي في مرحلة تجريب، طالما ليست هناك حلول، النّاس ستتعوّد." وتضيف: "مفروض الوسائل الإعلاميّة البديلة المُناصرة لهذه القضايا أن تفهم البعد الاجتماعي والتحرّري للموضوع ليس فقط الاستهلاكي كتجارة للإعلام".

عندما سألت رولا لم على النّاس الاهتمام بهذا الموضوع، قالت: "إذا بدهم يهتمّوا فيه هنّ بدهم يفهموا ليش لازم يهتمّوا فيه، لازم معناها نحكي عن كل الهويات اللي لازم تتضمن بالخطاب، عن كل النّمطية التي كانت تقع على النّساء والرّجال ... إنّه في نمطيّة معيّنة وقت ما بنسحبها، بنكون عم بنحاول نحرّر بما معناه الخطاب العام وشو التّوقعات من الناس. طالما هذا الشّي غايب وعم بنحكي على آخر جزئية من موضوع التحرّر وهو عدم جندرة اللغة مثلاً، رح يضل أصعب، لإنّه البدائل يلي عم تنطرح عم بتكون جهود مجموعات صغيرة وفي أغلب الأحيان هي محاربة من محيطها ومن مجتمعها ومن حكومات الدّول التي تعمل فيها."

عن عدم الوقوع في فخّ الترجمة

"اللغة العربية فيها كلمات وفيها إرث مخيال شعبي كان غزير جنسيًّا وما عنده مشاكل سواء في تسمية الأفعال الجنسية أو مع التنوّع الجندري. كان في ناس مُخنّثة، في رجال مثليين، في نساء ثنائيّات الميل الجنسي، ما كنش الموضوع ظاهر على السّطح كقضيّة، لأنّه كانت المُمارسات تحدُث بشكل غير منظّم. لكن مع تنظيم الأديان، والدّول، والحروب، دخولاً على الرّأسمالية التي ابتلعت المنطقة كما ابتلعت باقي العالم، أصبح هناك تقديس للمُغايرة الجنسيّة وللأدوار الجندريّة النّمطيّة التي تكوّن الأُسرة المُنتجة لأطفال، وتكوّن الأب العامل والأُم التي تقوم بعمل منزلي غير مدفوع الأجر. فأن نتعامل مع الموضوع كأنّه شي جديد علينا، إنّه أصلاً في تنوّع جندري عشان في خطاب في أمريكا الشّمالية يحثّ على الموضوع؟ أو إنّه فجأة في كلمات علشان ظهرت بالإنجليزي وانتشرت، فنفترض إنّه عُمره ما كان إلها مقابل يجعلنا نقع في فخّ التّرجمة أوّلاً، وثانيًا في فخ استعارة أشياء رُبّما غير أساسيّة في سياقاتنا،" قالت لي فرح في مقابلة تحدّثنا فيها عن الجّلسة.

وتُضيف: "كما الهوس في إيجاد كلمة واحدة، واللّغة العربيّة ليست لغة الكلمات الواحدة. اللّغة العربيّة فيها حب وعشق ووجد وهيام وغرام، وليس لكل ذلك مرادفات سوى "love" بالإنجليزيّة؟ لم لا نحتفل بهذا التنوّع؟ لا أقول بأن لا نهتم وإنّما لا ننهوِس بسؤال مطروح في الخارج. يجب أن ننهوِس في طرح أسئلتنا التي هي قادمة من مآزقنا، في التنظيم، في الكتابة، في التّمييز ضد الكاتبات، وما معنى كل ذلك؟ مآزقنا في من هم المحرّرين وكيف يحرّرون ما يُكتب أو يُنشر بالعربية؟"